إعترافات ملحد مصري

بقلم خالد دياب

رغم عدم الإعتراف بهم، الملحدين ايضاً اولاد بلد ويجب على الدولة والمجتمع ان يعطوهم حقوقهم. 

الأحد 20 اكتوبر 2013

English version

صدق أو لا تصدق، أنا أحد أعضاء أكثر أقلية غير معترف بها فى مصر. لا، لست قبطيا و لا بهائيا. أنا آجنوستى-ملحد أو ملحد-أجنوستى. باختصار، أنا لا أدرى أذا كان الله موجود لكن الدين، من وجهة نظرى المتواضعة، من صنع الإنسان و ليس مرسلاً من السماء.

أذا كان هناك أله، فقد أحدث “الأنفجار العظيم” ثم أختبأ ليشاهد نتيجة عمل القوانين المبهرة التى صنعها لتحكم الكون. هو لا يتدخل في ادارة تفاصيل حياتنا التافهة على رقعة الأرض الحقيرة هذه. نحن لسنا فى مركز مخططه.

هذه أول مرة أعلن فيها عن عدم إيمانى فى جريدة مصرية و سيغضب ذلك بعض القراء وسيجرح مشاعر البعض الأخر. وذلك ليس فى نيتى. مع أنى لا أريد أن أسئ لمعتقدات اى أحد، أعتقد أنه من حقى أيضا أن أعبر عن أعمق قناعاتى التى وصلت أليها بعد سنين من الشك و التساؤل والتردد والتفكير.

عندما يجد الناس الإيمان، نسمع عن تلقي وحي أو عن لحظات تصحو فيها وترى نورا. لا أعلم أن كان هذا صحيحا حيث أنى لم أختبر أى صحوة دينية أبدا. ولكن عندما تفقد دينك، هو شئ أقرب لنزيف بطئ أو الوصول لحالة مزمنة من الوهن قد يتخللها بعض الفترات من التحسن ولكن النهاية قريبة، بما فيها البحث في النفس و تدمير للنفس.

لعلنى شعرت بأقوى حالات الإيمان (والأكثر طفولة) فى بلد غير مسلم ثم فقدته في بلد مسلم، مع أنى لم أهجره تماما ألا بعد رحيلى عن مصر للمرة الثانية. كانت البداية عبارة عن شكوك طفولية حول سبب عدم دخول أصدقائى الإنجليز للجنة عندما يموتون، ثم تطور الأمر لأسئلة حول وضع المرأة والجنس بالإضافة للتناقضات والأخطاء العلمية فى القرآن.

 كما راودتني أسئلة ميتافيزيقية  وفلسفية مثل: لماذا يخلق إله عادل ومحب كائن معيب ثم يضعه تحت اختبار يعرف هذا الإله الغير محدود  نتيجته مقدما؟ بالطبع لا أدعى أن الإسلام ينفرد بذلك، بل تنطبق نفس الأسئلة وأسئلة مشابهة على باقي الأديان.

 أعتقد أن الكثير من المؤمنين سينتابهم الفزع والقلق عند قراءة المقال هذا. ربما سيحزنوا على ضلالي ويتعجبوا من نفسي الجوفاء والفراغ العميق بها. لكن على العكس أنا لا أشعر أن الحادى ترك ثقباً بحجم الله فى قلبى. ولا أنى لاجئ روحاني هائم في مخيمات الأرواح المنفية.

هناك الكثير من الأشياء حولنا التي تملأ مشاعري بالدهشة والغموض. من العلوم والتكنولوجيا التي تقوم “بمعجزات” حديثة ولا نهائية الى النظريات الفيزيائية التي تتسم بجمال في ميتافيزيقيتها. ومن “جزيئات الله” للاعتقاد المجنون بوجود شلال من الأكوان حولنا.

البعض الأخر يعتقد أن الملحد يفقد بوصلته الأخلاقية عندما يتجرد من الدين وأنه يعانى من وجوده في متاهة من العدمية نتيجة استئصال أخلاقه. فى الواقع هذه الفكرة مهينة للإنسانية لأنها مبنية على افتراض أننا أطفال أشقياء لابد من إجبارنا على عمل الصواب والبعد عن الخطأ. الفارق الاساسى بين القواعد الأخلاقية للمؤمن والملحد أن الملحد لديه حرية أكثر لاستخدام العقل فى اختياره للأخلاقيات التي يقرر التمسك بها أو تركها.

اعتقاداتي بأكملها هى ملكي وحدي ولا أنتظر من أحد أن يعتنقها، لأن إيماني ليس دعويا. أنا أعتقد أن كل شخص يجب أن يجد طريقه ويقرر بنفسه ما يريد أن يؤمن به. كل ما أطلبه أن يكف الآخرين عن الدفع بمعتقداتهم فى حلقى أو أن يحاولوا إلغاء معتقداتي، كما فعل العديد من الإسلاميين طوال السنوات الماضية.

 بينما أحترم المعتقدات الدينية للآخرين وأعجب بهؤلاء الذين يملكون التدين والخلق المحب، هناك الكثيرين ممن لا يفعلون مثلى ولا يعطوني نفس الحقوق. ومع أن القانون المصري لا يجرم الإلحاد بوضوح، هناك آليات لملاحقة الملحدين. منمها القانونان المبهمان والمبتكران والمرعبان في نفس الوقت الخاصين بازدراء الأديان والحسبة، ويستخدمهما المحامين الإسلاميين والدولة لملاحقة الملحدين بل أيضا لملاحقة المسلمين المختلفين معهم فى الرأي.

ما لم أتمكن من استيعابه هو كيفية “شعور” دين عمره قرون بالازدراء ولماذا يحتاج الإسلام ناس يوكلوا انفسهم مدافعين عنه في حين أن القرآن نقسه يطالب غير المسلمين بالشك والتساؤل وحتى بالسخرية. في الواقع أي دين يعتقد أن حقائقه دالة وقاطعة الثبوت في حد ذاتها لا يحتاج أيا من أتباعه أن يجبروا الآخرين على اعتناقه.

هناك من سينبذ كلامي على أنه إدعاءات شخص أبتعد كثيرا عن أصوله وعاش بالخارج لمدة طويلة. ومع أني لا أشك أن المراحل التى قضيتها في أوروبا عرضتني لأساليب تفكير مختلفة، لكن أبتعادى عن الدين حدث معظمه أثناء وجودي بمصر على الرغم من جمال المظاهر الدينية العديدة التي أعجبت بها هنا، من الأجواء الإحتفالية المفرطة فى رمضان لنسك الرهبنة في الصحراء.

 من حسن حظي أنه كان بإمكاني قطع صلاتي بالدين فى وسط أقل حدة وورع. حيث أن البعض لم تتوفر له تلك الرفاهية وأنا أعرف العديد من الملحدين والأجنوستيين الذين يخفون حقيقة معتقداتهم عن عائلاتهم خشية من فقدانهم لأحبابهم.

قد يكون من المغرى للبعض أن يرونى شاذا أوحتى مكروها، لكنى أؤكد لهم أنى لست الوحيد. مع أنى كنت صوتا نادرا حينما خرجت من القمقم لأول مرة، لكن الثورة شجعت العديد من الملحدين أن يعبروا عن أفكارهم، حتى وأن كان ذلك محفوفاً بمخاطر فادحة مثل النفي أو النبذ والملاحقة القضائية – مخاطر أصبحت محصنا منها حيث أنى فقط أزور مصر ولا اقيم هناك.

 أما الذين ستغريهم فكرة أن الثورة جائت بأفكار منحلة، أؤكد لهم أن الملحدين كانوا دائما متواجدين بمصر – وفى العلن – و لعبوا أيضا دورا مهما فى تكوين هوية مصر. في الواقع، حتى سبعينات القرن الماضى لعبوا الملحدين ومن أبحروا في تيارات عدم الإيمان دوراً بارزاً في الفكر والثقافة في مصر.

على سبيل المثال، كان رائد الاشتراكية فى مصر سلامة موسى يؤمن أن الناس يجب أن تعتمد فقط على عقولها وأن كل منا يجب أن يأخذ مصيره بيديه. ومن المعروف أن مصطفى محمود، مقدم البرامج التليفزيونية الشهير الذي مزج بين الدين والعلم، كان أيضا ملحدا ثم وجد طريقه للإيمان مرة أخرى، مع انه صرح بأن أعماله الأولى التي أنتقد فبها الدين كانت هي طريقته لاختبار إيمانه.

أحد أعظم فلاسفة مصر الوجوديين في القرن العشرين، عبد الرحمن بدوى، كتب في الأربعينات من القرن الماضي موسوعة عن الملحدين على مر التاريخ الإسلامى. وكان هناك الكثير منهم مثل “داوكنز” الدولة العباسية ابن الراوندى.

يشير البعض إلى أن عدد الملحدين في مصر يفوق عدد المسيحيين. أن صح ذلك يصبح الإلحاد ثاني أكبر معتقد في المجتمع. لن نعرف في المستقبل القريب عددهم، حيث لا يعترف بالملحدين أو يحصيهم أحد. والتمييز الذي يتعرضون له دفع الكثير منهم أن يخفوا وجودهم. لكن من المؤكد أن بجانب الإيمان كان دائما الإلحاد جزء أساسي من نسيج مصر الإجتماعى وإنكار ذلك لا يولد سوى النفاق.

 حان الوقت لنعترف بكامل حقوق الملحدين بما في ذلك حقهم في حرية الإعتقاد بما يشاؤا وحقهم فى ألا يصنفوا على أنهم أتباع أيا من الأديان السماوية الثلاثة وكافة حقوقهم المدنية مثل باقى المصريين.

 فوق كل شئ، نريد أن ينظر لنا بمساواة كمواطنين وليس كأهداف للملاحقة القضائية والأسوأ من ذلك… للاضطهاد.

___

Follow Khaled Diab on Twitter.

نشر هذا المقال في The Daily News Egypt في 15 اغسطس 2013. الترجمة العربية من خلال باسم رؤوف

Author

  • Khaled Diab

    Khaled Diab is an award-winning journalist, blogger and writer who has been based in Tunis, Jerusalem, Brussels, Geneva and Cairo. Khaled also gives talks and is regularly interviewed by the print and audiovisual media. Khaled Diab is the author of two books: for the Politically Incorrect (2017) and Intimate Enemies: Living with Israelis and Palestinians in the Holy Land (2014). In 2014, the Anna Lindh Foundation awarded Khaled its Mediterranean Journalist Award in the press category. This website, The Chronikler, won the 2012 Best of the Blogs (BOBs) for the best English-language blog. Khaled was longlisted for the Orwell journalism prize in 2020. In addition, Khaled works as communications director for an environmental NGO based in Brussels. He has also worked as a communications consultant to intergovernmental organisations, such as the EU and the UN, as well as civil society. Khaled lives with his beautiful and brilliant wife, Katleen, who works in humanitarian aid. The foursome is completed by Iskander, their smart, creative and artistic son, and Sky, their mischievous and footballing cat. Egyptian by birth, Khaled's life has been divided between the Middle East and Europe. He grew up in and the UK, and has lived in , on and off, since 2001. He holds dual Egyptian-Belgian nationality.

    View all posts

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

One thought on “إعترافات ملحد مصري

  • اسحق يسوع

    اود ان اتكلم مع الشخص الذي يظن انه ملحد
    وسوف اجبه بكلام عاقل منطقى

    Reply

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

error

Enjoyed your visit? Please spread the word