حرية السينما الحقيقية في القدس الشرقية

بقلم خالد دياب

هل تستطيع حرية الأفلام السينمائية مساعدة الفلسطينيين على تحقيق الحرية الحقيقية؟

الأربعاء 7 مارس 2012

أثّر الاحتلال في القدس الشرقية كثيراً على الخريطة الثقافية للمدينة. كان من آثار انعدام الاستثمار المزمن وتوسيع المستوطنات والجدار الهائل، الذي تقول إسرائيل أنها بنته لأهداف أمنية ويدّعي الفلسطينيون أنه يهدف إلى اختطاف المزيد من الأراضي، امتصاص الحياة من الجزء الفلسطيني في القدس وتحويل مركز الثقافة إلى رام الله في الضفة الغربية. إضافة إلى ذلك، يبدو أن العديد من الفلسطينيين المقدسيين لم يتمكنوا من التخلص من عقلية منع التجول التي سادت الانتفاضة، والتي انتهت قبل أكثر من سبع سنوات.

إلا أنه في السنوات الأخيرة، تم إطلاق جهود لإحياء وإغناء خريطة القدس الثقافية المتواضعة. آخر هذه الجهود إعادة إحياء سينما القدس القديمة، التي أغلقت أبوابها قبل ربع قرن أثناء الانتفاضة الأولى (التي استمرت من عام 1978 وحتى 1993). وهي الآن، رغم أنها لم تكتمل بعد، مركز يابوس الثقافي. إضافة إلى عرضها للأفلام، تستضيف السينما أحداثاً فنية ومسرحية وموسيقية، بما فيها عرضاً للصور الفوتوغرافية عن الثورة المصرية وحفلات لموسيقى الجاز.

استهل مركز يابوس إعادة افتتاحه بأسبوع أفلام الحرية. العنوان مناسب إذا أخذنا بالاعتبار العطش للحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الواضحة ليس فقط في أوساط الفلسطينيين وإنما للشعوب عبر المنطقة، بما فيها إسرائيل، حيث ثارت حركة احتجاج اجتماعي واسع الصيف الماضي. أعلن المحتجون الإسرائيليون جادة روتشيلد في تل أبيب “ميدان التحرير” الخاص بهم، كما أطلق المعلّقون العرب اسم “الربيع الإسرائيلي” على الحركة.

ومن الأفلام التي عرضت في يابوس فيلم “لن نترك”، الذي يعرض نضال الفلسطينيين ضد النزوح الإجباري في القدس، وفيلم “فليجة”، الذي يوثق الاعتصامات الملهمة والابتكارية التي نظمها الناشطون التونسيون بعد سقوط الدكتاتور زين العابدين بن علي، وفيلم “القاهرة “، الدراما التي حطمت الممنوعات عن التحرش الجنسي في مصر.

تقول ريما عيسى، منسّقة سينما يابوس ومسؤولة المهرجان أن الفلسطينيين المقدسيين عانوا من “غيبوبة سينمائية”. وهي ترى المهرجان ومركز يابوس الثقافي على أنهما “جسر لإعادة العلاقات التي انقطعت منذ وقت طويل بين الجمهور الفلسطيني في القدس ودور السينما”.

ولكن هل تستطيع حرية السينما مساعدة الفلسطينيين على تحقيق الحرية الحقيقية؟

“دور الثقافة حاسم”، تقول ريما عيسى، “وشعبنا يتوق إليها”. وهي تؤمن أن باستطاعة السينما المساعدة على الربط بين جيل جديد من الفلسطينيين المقدسيين الشباب مع المضمون العربي والعالمي الأوسع، الأمر الذي يمكنهم من نقل وضعهم وكفاحهم إلى العالم الخارجي وإنهاء سنوات طويلة من العزلة.

وقد تمكنت العديد من الأفلام والمخرجين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة من زيادة الوعي بكونهم بلا دولة وسعيهم للحصول على الحرية وإنشاء الدولة، والاعتراف الدولي بهم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مخرج الأفلام الفلسطيني الإسرائيلي إيليا سليمان الذي أصبح فيلمه السوريالي الهزلي الأسود “تدخل إلهي” الذي أخرجه عام 2002، عن قصة حب عبر الحواجز بين فلسطيني وفلسطينية يقيم أحدهما في إسرائيل ويقيم الآخر في الضفة الغربية، أصبح ذو شهرة عالمية وصيت ذائع. كما حصل فيلمه الأول الطويل “قصص الاختفاء” (1996) على سمعة واسعة في أوساط النقاد السينمائيين.

إلا أن ريما عيسى، وهي مخرجة أفلام وأول فلسطينية تتخرج من أشهر مدرسة سينمائية إسرائيلية هي “سام شبيغل”، لا تؤمن أن باستطاعة السينما بناء الجسور بين الفلسطينيين والإسرائيليين بسبب عدم المساواة الكبير بين الطرفين.

يخالفها صانعو أفلام آخرون الرأي. على سبيل المثال، تشارك الفلسطيني عماد برنات والإسرائيلي غاي دافيدي في إخراج فيلم “خمس كاميرات محطّمة”، وهو فيلم يوثّق الكفاح اللاعنفي لسكان قرية بلعين الفلسطينية، المسلّحين بالكاميرات فقط، لوقف سلب الأراضي.

ومن الأفلام الرئيسية المثيرة للاهتمام دراما الجريمة “عجمي” الذي يخرجه صانعا الأفلام للمرة الأولى اسكندر قبطي وبارون شاني، والذي يصف بشكل واقعي الحياة في حي العجمي المحروم في مدينة يافا، وليتعمق في تعقيدات الحياة الإنسانية بين المسلمين والمسيحيين واليهود في إسرائيل. وقد حصل كذلك على جائزة “أوفير”، وهي أعلى جائزة إسرائيلية للأفلام وترشح لجائزة الأوسكار في الولايات المتحدة.

ولكن قوة الأفلام لا تتوقف عند قدرتها على تحويل أساليب الناس في التفكير وتحدي ضمائرهم. تساعد مسارح السينما نفسها على إيجاد شعور بالتماسك المجتمعي. على سبيل المثال، تستذكر جارتي الفلسطينية التي يقارب سنها التسعين عاماً فترة ما قبل التقسيم والحرب عندما كان جيرانها اليهود “أصدقاء” يجلسون أحياناً جنباً إلى جنب في دور السينما وعندما كانت الممثلة المصرية اليهودية الأثيرية ليلى مراد هي المفضلة بشكل خاص بين المجتمَعَين.

في المضمون الحالي المقسّم بشكل لا يخلو من المرارة، تظهر هذه الصور على أنها خيال سينمائي بعيد التحقيق. ولكن ذلك كان صحيحاً في يوم من الأيام، وقد يصبح كذلك في يوم قريب.

Author

  • Khaled Diab is an award-winning journalist, blogger and writer who has been based in Tunis, Jerusalem, Brussels, Geneva and Cairo. Khaled also gives talks and is regularly interviewed by the print and audiovisual media. Khaled Diab is the author of two books: Islam for the Politically Incorrect (2017) and Intimate Enemies: Living with Israelis and Palestinians in the Holy Land (2014). In 2014, the Anna Lindh Foundation awarded Khaled its Mediterranean Journalist Award in the press category. This website, The Chronikler, won the 2012 Best of the Blogs (BOBs) for the best English-language blog. Khaled was longlisted for the Orwell journalism prize in 2020. In addition, Khaled works as communications director for an environmental NGO based in Brussels. He has also worked as a communications consultant to intergovernmental organisations, such as the EU and the UN, as well as civil society. Khaled lives with his beautiful and brilliant wife, Katleen, who works in humanitarian aid. The foursome is completed by Iskander, their smart, creative and artistic son, and Sky, their mischievous and footballing cat. Egyptian by birth, Khaled’s life has been divided between the Middle East and Europe. He grew up in Egypt and the UK, and has lived in Belgium, on and off, since 2001. He holds dual Egyptian-Belgian nationality.

    View all posts

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don’t spam!

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don’t spam!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

error

Enjoyed your visit? Please spread the word