الرجل العربي الجديد

بقلم خالد دياب

   لوحظ في الأونة الأخيرة تزايد الرجال المناصرة لحقوق المرأة عربياً، مقدمين مثالاُ رائعاً في تحدي المعنى التقليدي للرجولة الشرقية.

Sexual harass protest
Photo: Maged Tawfiles

Read in English

الأربعاء 2 ابريل 2014

قد بلغ التحرش الجنسي في مصر مستويات وبائية حتى وصل الى الحرم الجامعي لأقدم الجامعات العلمانية في البلاد بصورةٍ فجة. وراء هذا الوباء نماذج غير واقعية ومضرة للرجل المثالي والمرأة المثالية.

في السنوات الأخيرة، وخاصةً منذ اندلاع الثورة المصرية في عام 2011، بدأت النساء تتمرد ضد التيارات المتشددة التي اجتاحت مختلف أنـحاء البلاد منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

وقد أثار هذا رد فعل ضخم من التيارات المتشددة، مما جعل التحرش الجنسي يزداد عنفًا وإذلالاٍ كأحد ظواهر هذا رد الفعل. غير أن بعض الرجال قرروا أن يسبحوا ضد التيار، ليسوا فقط منادين يحقوق المرأة، ولكن أيضاً متحديين المفاهيم التقليدية للذكورة.

وهذه الصحوة من بعض الرجال لم تتركز فقط على النُخب الفكرية والاقتصادية، لكنها أيضًا قد صنعت فروقاً في جميع أنـحاء البلاد وكل طبقات المجتمع.

(ديفيد عصام)، شاب نشأ في أسرة تقليدية في المنيا في صعيد مصر، وهي من أكثر المحافظات المتحافظة في مصر.

في بداية الأمر يعترف (عصام) قائلاً: “في البداية، لم أكن أعتقد أن المرأة لديها حقوق. كنت فقط أراها كمُكمل لحياة الرجل”.

ولكن تضافرت عدد من العوامل التي صنعت تحولاً كبيراً في أفكار ومواقف (عصام). أهم تلك العوامل هو أخته الوحيدة، وعلى وجه التحديد حين رفضت القيود المفروضة عليها من قبل الأم، والتي بطبيعة الحال في الصعيد كانت تقيد حريتها في الكثير من الأمور.

وثمة عامل آخر وهو انخراطه في القراءة خاصة لبعض الكُتاب النسويين وعلى رأسهم الكاتبة (نوال السعداوي)؛ ولكن ربما كان العامل الأكثر أهمية في تغير أفكار (عصام) هو بعض الصداقات التي اكتسبها من بعد قيام الثورة المصرية، والتي تسببت في زلزال في وعي وضمير (عصام).

يضيف (عصام) “توجهات بعض الشباب والشابات المهتمين بقضايا المرأة جعلني أكثر وعيًا، وقادراً على تحدي الظروف المحيطة”، مشيراً إلى أنه الآن يتطوع دائماً في  فعاليات تعزيز الحقوق الاجتماعية والقانونية للنساء، وفعاليات مكافحة التحرش الجنسي.

على الرغم من أن الثورة قد صنعت جيل جديد أكثر وعياً، إلا أن ثقافة الرجل العربي الجديد ليست جديدة على الاطلاق، حقيقةً أول الأفكار النسوية في العالم العربي كانت، وليس مفاجأ في مجتمع يسيطر عليه الرجال في ذلك الوقت، حيث أن أول من نادى بتلك الأفكار كان رجلاً.

“على مر الأجيال كانت المرأة تابعة لحكم القوى الذكورية، ومُسيطر عليها من قبل طغيان قوة الرجال،” هكذا كتب قاسم أمين في تحرير المرأة في عام 1899م؛ مضيفاً “إن موقف الإسلام المُقلل من شأن المرأة هو أكبر العقبات التي تمنعنا من التقدم نـحو ما هو مُفيد بالنسبة لنا”.

كثير من الرجال ممن لهم أفكار علمانية والذين ظهروا قبل انتشار التيار الإسلامي المتشدد تعتبر المساواة بين الجنسين أمرًا مفروغًا منه، على الأقل من حيث المبدأ. وهناك أيضاً من ينفذه فعليا.

“لدي طفلان، صبي وفتاة، اعمالهما بأقصى درجات المساواة، من حيث النشأة، مصروف الجيب، والمسؤوليات، والواجبات، والتعليم، وتعليمهما احترام الذات”، هكذا بدء سعيد السعيد كلامه، وهو موظف فلسطيني في القطاع الخاص متقاعد وقد سافر إلى سويسرا منذ أكثر من 35 عامًا. ويضيف أيضًا “لقد تحدثت إلى كل منهما عن المسؤولية الجنسية، وقدمت كل علبة من الواقي الذكري عندما شعرت أن الوقت قد حان”.

قد ينسب البعض مواقف (السعيد) إلى مكوثه طويلاً في أوروبا، وهو يستبعد هذا الرأي تماما، قائلا “بفضل والديا، وتحديدا والدي، لم أكن أتقبل ابدا كيف تُعامل النساء في الشرق الأوسط”.

هذا هو حال الكثيرين من أبناء جيله، خاصةً من نشأوا في أسر يسارية، فلديهم ذكريات مماثلة؛ تحكي (سعاد العامري) وهي مهندسة وكاتبة فلسطينية بارزة، كيفية تعامل والدها معها ومساواته بينها وبين جميع أشقائها على حدٍ سواء بصورة تخالف الأعراف المتوارثة حينها.

تقول (العامري): “أنه يطلق على نفسه اسم (أبو أروى)، حتى أن بعض الناس لم يكن يعرفوا أن لدي ابن اسمه (أيمن)”، وأضاف “انه أطلق على نفسه هذا الأسم نسبةً لأبنته البكر (أروى)” منافياً التقاليد المتعارف عليها في التسمية باسم الولد وليس البنت.

بالطبع بلاد الشام، وخاصة لبنان، لديها موقف مستنير نسبيًا تجاه قضايا المرأة. ولكن حتى في أكثر المجتماعات تحفظا في العالم العربي تمر أيضا بصحوتها الخاصة، ولكن من نقطة بداية اقل.

في ضوء القيود الشديدة المفروضة على المرأة السعودية، المتمثلة في نظام الوصاية القمعي، انه ربما من المتوقع أن يكون من أبرظ الداعين بحقوق المرأة هناك رجلاً.

في ما يُعتبر نقطة فاصلة في قضية حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، استطاع المحامي والناشط الحقوقي (وليد أبو الخير) أن يحصل على حكم بالافراج عن (سمر بدوي) والتي كانت قد سُجنت بتهمة عصيان والدها رغم أنه كان يسيء لها.

خلافا للرأي السائد والصورة الإصلاحية التي تحاول العائلة المالكة السعودية أن تُظهرها للعالم الخارجي؛ فإن (أبو الخير) يُحمل النظام مسؤلية الأوضاع المزرية للنساء في السعودية.

“الملوم في هذه القيود جميعها هي السلطة السياسية بالتأكيد، والتي بدورها تلقي باللوم على المجتمع وتصفه بأنه عصي على الإصلاح،” يقول (أبو الخير). “بينما الحقيقة وعبر تجربة على الأرض أن السلطة تريد من المجتمع أن يبقى محافظاً وأن يظل الرجل مسيطر على المرأة لأنها بذلك تعطل نصف المجتمع ليبقى النصف الآخر يسهل قياده”. لهذا السبب، يرى (أبو الخير) أن الصراع على حقوق المرأة ذا صلة وثيقة وجزء لا يتجزء من الصراع على حقوق الأنسان كافة. “الجميع هنا مقموع ولا نريد أن نساوي مقموعاً بمن هو أخف قمعاً منه،” يصف الناشط السعودي. “والمرأة ليست مشكلتها كما أعتقد مع الرجل في السعودية وإنما مشكلتها مع السلطة أولاً وأخيرا”.

يعتقد (أبو الخير) أنه إذا اتخذت المؤسسات الوهابية موقفًا محايدًا تجاه الحقوق الشخصية وتركوا للناس الحق ليقرروا بأنفسهم، فإن هذا سيساعد على صنع نقلة كبيرة وإنجازاً في قضية حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، وخاصةً في الغرب؛ ويضيف (أبو الخير) ” وفي مجتمعي حيث أعيش، أي في الحجاز، الأغلبية يؤمنون فعلا باحترام المرأة وحفظ حقوقها وكان هذا الإيمان واضحاً أكثر قبل تغلغل الوهابية في مجتمعنا بفعل السلطة “.

كان من الطبيعي أن يثير نشاط (أبو الخير) عدم رضاء التيار المتشدد عنه، وبالتالي الدخول في مصادمات حادة مع السلطات السعودية؛ ورغم جميع المعارك القانونية والتي تسببت في اعتقاله العديد من المرات ومنعه من السفر وتحديد أقامته، إلا أنه وجد من تشاركه في حروبه وآلامه، (سمر بدوي) اختارت أن تشارك (أبو الخير) في قضاياه وحياته كزوجةٍ له. بعد أن كان (أبو الخير) هو محامي (سمر البدوي)، أصبحت هي ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة في بلدها، فهي من قدمت أول دعوى قضائية في المملكة لمنح المرأة حق التصويت، كما شاركت في الحملات المطالبة بحق المرأة في قيادة السيارة.

على الرغم من كل التحديات والصعوبات التي تواجه قضايا المرأة في المجتمع العربي، إلا أن (أبو الخير) متفائل بشأن المستقبل؛ ويوضح قائلاً ” والمعطيات الحالية تؤكد أن المرأة في طريقها لكسب حقوقها، نظراً للتحولات الكبيرة التي يشهدها المجتمع”.

في البلدان العربية التي اكتسابت فيها المرأة حصة كبيرة من حقوقها، يخاف البعض من التراجع النسبي.

“بشكل عام، فإن وضع (المرأة الفلسطينية واللبنانية) قد تراجع، مع صعود التيارات المتشددة دينياً؛” يعتقد (سعيد السعيد)، حيث يلوم على الأمهات نظراً لتبنيهم ثقافة”(الصبي الأمير على حساب أخوته البنات”.

وتعكس تجربة (ديفيد عصام) الخاصة في هذا المجال التحدي الذي يتماثل في التعامل مع دور المرأة بوصفها هي الداعم للنظام الأبوي في بعض الأحيان؛ ويصرح قائلاً “والدتي سعيدة من شكل علاقتي بأختي لما فيها من حب ورعاية واهتمام؛ لكنها تعترض على مساندتي لها في التفكير للسفر والعمل، وتكوين صداقات في الجامعة”.

وهناك آخرون ممن خالفوا التقاليد الاجتماعية تمامًا، متجاوزً المساواة البسيطة وصولاً لمرحلة الانعكاس التام؛ وهذا هو حال (عمر وهبة)؛ بعد فترة من الانفصال القسري من زوجته التي كان تعمل في جنيف، قرر أن يرمي بجميع التقاليد المتوارثة عرض الحائط، وترك عمله في القاهرة ليتفرغ لتربية طفله، على الرغم من اعتراض عائلته  التي تؤمن بأن دور الرجل انه يقود والمرأة دورها ان تتبع زوجها.

“كانت أول مرة لي ان اكون رب المنزل”، كما يعترف “لقد استمتعت بجوانب عديدة منها كتعلم طهي الطعام، والقراءة أكثر، التأمل في حياتي، التفكير في اقامة عمل خاص، والبقاء مع طفلي أوقات أطول”.

على الرغم من أن (عمر وهبة) أستطاع الحصول على وظيفة في جنيف، إلا أنه الوقت الذي قضاه في الاهتمام بالشئون المنزلية غرس فيه المزيد من التقدير والاحترام للادوار التقليدية المسندة للمرأة، ويقول أنه لا يزال يُسهم في الاعمال المنزلية وتربية الاطفال.

على الرغم من الاضطرابات التي تمر بها مصر ووسط تصاعد حدة التيارات المتشددة منذ قيام الثورة، إلا أن (وهبة) متفائل ويأمل في وضع أفضل للمساواة بين الجنسين في المستقبل.

“أنا متفائل بشأن الجيل الصاعد من الشباب، فهم أكثر مرونة وقابلية للتغيير” ويكمل قائلاً “أعتقد أن الكثيرين أصبحوا لا يؤمنون بالأدوار التقليدية للرجل والمرأة، وأنهم يدركون أن الأفضل هو أن يعملا سوياً لتحسين مجتمعهم وتحريكه للامام”.

نشكر ديفيد عصام لهذه الترجمة.

___

Follow Khaled Diab on Twitter.

This feature first appeared in Your Middle East on 30 March 2014.

Author

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

error

Enjoyed your visit? Please spread the word