غطاء للرأس وغطاء للفقر

جيهان أبوزيد

انكمش عدد النساء المتبرجات (غير المحجبات) وصاروا أقلية مهمشة في مصر

English version

على عجل ارتديت ثيابي ,سائلة ابنتي هل ملابسي مناسبة للقاء عام في منطقة فقيرة بالقاهرة,ابتسمت بصبر “ممتازة وأضافت:و عليك أن تغادري فورا. ,دفعت باب المصعد لأخرج منه فإذا بجاري المراهق الذي يصغر ابنتي بعام او أشهر واقفا أمام باب المصعد ,,ابتسمت قائلة ,أهلا يا وائل,”كل سنه و أنت طيب رمضان كريم” لم يرد على  و أشاح بوجهه متمتما”أعوذ بالله”.

من بين ما يقرب من ثلاثين امرأة فى المبنى الذي اسكنه هناك امرأتين فقط سافرات ومتبرجات, انا و ابنتي. وسافرة معناها كاشفة فأي امرأة تكشف وجهها تسمى سافرة وما زاد عن الوجه يسمى تبرج

والمتبرجات صرن اقليه فى مصر  بعد ان اكتسحها تيار يدعو الإناث إلى تغطية رؤوسهن , فازدحمت شوارع مصر بأغطية الرؤوس الملونة و مؤخرا السوداء . يكشف  الحجاب فى قراءته  المتعجلة عن تدين المجتمع المصري,الا انه يشير في قراءته الأعمق إلى أبعاد اقتصادية و سياسية و اجتماعية  تختلف ملامحها بين طبقة اجتماعية و أخرى .

لقد أزاح الحجاب عبئا عن كاهل الأسر الفقيرة و بناتها ,فصار غطاءا للرأس و للفقر أيضا, فالجلباب الذي يطرح فى الأسواق بتكلفة معقولة و تتبادله نساء الأسرة ,نظرا لاتساعه و دبلوماسيته في تغطية جسد النساء,يسهل تغيير ملامحه باستخدام أغطية رأس مختلفة الألوان,كما انه يوفر وقت تجميل شعورهن ,في الوقت الذي لا يعنى فيه التجميل دفع أموال و فقط ,بل و أيضا وقت مستقطع من هؤلاء الاتى لا يجدن بالكاد وقتا للنوم ,و هن يتنقلن بين عمل و آخر

على صعيد آخر فقد امن الحجاب للفتيات و النساء في المناطق الشعبية ,نظرة تقدير من أفراد المجتمع المحلى باعتبارهن  متدينات,و هو الأمر الذي يقدره الرجال و تطمئن له النساء ,و هو بذلك رسالة موجزة و أنيقة  من النساء بإتباعهن لأوامر الدين الاسلامى و نواهيه . و مع انتشار غطاء الرأس في كل المناطق الشعبية و فى اغلب بيوت الطبقة الوسطى ,فان التساؤل  الذي يفرض نفسه هل مازال لغطاء الرأس نفس الدلالة الدينية ؟

فى احد الفنادق الكبرى ,التقيت “ايمان”فتاة ذكية تقدم المشروبات, ترتدى ملابس قصيرة و ضيقة وفق قواعد العمل بالسياحة,وما إن تخطت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل بدقائق ,وجدت نفسي أمام نفس الفتاه و لكن بغطاء رأس و ملابس أكثر احتشاما ,أشارت إلى أنها فى طريقها للعودة للمنزل .لم ترغب إيمان في العيش بوجهين,و لا تسعد بمظهرها الكاذب في موقع العمل و لا فى الحي السكنى الذي تسكنه,لكن ايمان التي كبرت فى واحد من احياء مصر الشعبية تعلم جيدا انها سوف تفقد الكثير إن وقفت فى وجه القواعد العامة, ورفضت وضع غطاء الرأس,

و حماية لنفسها و لأسرتها من الضغوط ,آثرت مثل ملايين غيرها أن تغطى رأسها ,و فى الفندق عليها أيضا ان تحمى مصدر رزقها فتخلع غطاء الرأس,و ما بين كشف و إخفاء الشعر  تنسحب هوية النساء و تضيع مع الوقت ,ليقفن عاجزات عن الرد على سؤال,لماذا تخفين شعوركن ؟

فلم يعد للحجاب نفس الهوية الدينية السابقة بل صار اقرب للزى الشعبي,زى شعبي جديد مخترع على خلفية دينية, تتنافس الفرق المختلفة على استثماره,فبعض المجموعات  الإسلامية ترى فى انتشاره تصويت صامت على نجاحهم مجتمعيا,و بيوت الازياء الوطنية ترى فى انتشار الحجاب نجاح و تقدير لذكائهم فى اختراع اشكال متنوعة و لا نهائية من الاغطية, و الأسر المصرية باتت اكثر فخرا ببناتها المحافظات دينيا.

ليس لهذا الزى  الشعبى المعبر عن هوية “المواءمة”  اى دلالة دينية اذن,لكنه فى مرحلة اخرى من تطوره يحمل أعمق الادلة الدينية ,هذه المرحلة يستدل عليها بارتداء غطاء فضفاض اسود يختفى خلفه الشعر و الجسد تماما ,و يعبر هذا الغطاء عن درجة قصوى  من الالتزام بالتعاليم الدينية ,و لا تعترف النساء البالغات تلك المرحلة بالأخريات الائى يغطين شعوهن و فقط, و المنتميات الى مرحلة “المواءمة”,كما انهن بالطبع ينزعجن من النساء الاتى يكشفن عن شعورهن ,و يصلين من اجل ان يهتدين مثلهن.

إزاء هذا التدرج الهرمى الذى يكشف عنه زى النساء ببلاغة, تصبح النساء السافرات هن الفئة الأضعف ,نظرا لحجم حضورهن الذى يتقلص يوما بعد يوم, كما ان مقاومتهن للحجاب تغرى الآخرين أيضا بإحكام الضغط عليهن ,و تؤكد على عزلتهن التى تقارب عزلة الاقليات فى كل ملامحها.و يصبح صمتى ازاء ازدراء جارى المراهق الصغير ضربا من الحكمة التى يجب ان تتحلى بها اى اقلية صغيرة فى المجتمع.

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

You may also like

error

Enjoyed your visit? Please spread the word