بقلـم خالد دياب
تتجاوز القضية الأخلاقية لصالح زيادة التفاهم في أهميتها قضية انتهاك حقوق النشر، حسب رأي الصحفي خالد دياب، رداً على قرصنة ترجمة رواية مصرية مشهورة إلى العبرية
الاربعاء ١٥ ديسمبر ٢٠١٠
لا يعتبر علاء الأسواني مرشحاً محتملاً لمنصب مخلّص الرواية المصرية. إلا أن طبيب الأسنان هذا، الذي ما زال يمارس مهنته في عيادته في قلب العاصمة المصرية، يعتبر بشكل واسع أنه أنعش الرواية المصرية وزاد من مصداقيتها في الشارع المصري ضمن هذه العملية. ويعتبر الروائي المصري كذلك مشارك مفوّه في حملة تساند الديمقراطية. وقد كتب عدداً من المقالات عبر السنوات حول الحاجة الملّحة للإصلاح الديمقراطي في مصر وحول الفساد والجمود في نظام الرئيس مبارك.
تسطع فطنة الأسواني وعدم توقيره في مجموعة قصصه القصيرة وعنوانها “نيران صديقة”. ويشكّل عمله الأكثر شهرة “عمارة يعقوبيان” الذي نشر للمرة الأولى عام 2002 استكشافاً شجاعاً لواقع مصر الاجتماعي الاقتصادي البائس، بنتوءاته ومشاكله، كما يعبّر عنه سكان مجمع شقق متداعٍ ولكنه كان عريقاً في يوم من الأيام.
ورغم أن “عمارة يعقوبيان” تُرجمت إلى عشرين لغة على الأقل، إلا أن الأسواني قاوَم وبشدة وصلابة محاولات ترجمة روايته إلى لغة معينة هي العبرية، تضامناً مع مأساة الفلسطينيين وتعبيراً عن معارضته للـ “تطبيع الثقافي مع إسرائيل”.
قرر مركز إسرائيل فلسطين للبحوث والمعلومات مؤخراً، وبعكس رغبات الأسواني، وبهدف معلن هو “نشر الوعي الثقافي”، قرر نشر ترجمة غير مصرّح بها لرواية “عمارة يعقوبيان” على شكل صورة إلكترونية (pdf) وتوزيعها على قائمة عناوين تضم 27,000 مشترك.
استشاط الأسواني غضباً كما كان متوقعاً. هدد متهماً المركز بالسرقة والقرصنة، باتخاذ إجراءات قانونية. إلا أن غيرشون باسكن، رئيس ومؤسس مركز إسرائيل فلسطين للبحوث والمعلومات لم يتراجع. “لم تكن نيتنا انتهاك حقوقه في النشر” حسبما صرح لصحيفة هآارتس. “القضية هنا هي ما إذا كان حق الإسرائيليين بقراءة الكتاب يعتبر أهم من حقوق الأسواني للنشر”.
حسناً، من وجهة نظر قانونية وفكرية، فإن الإجابة على موقف باسكن هي “بالطبع لا”. إلا أن الناشر الناشط في مجال السلام والذي تحول إلى قرصان قد يكون على حق عندما يقول، كما أشارت وكالة الأسوشييتد برس “لنعطِ الجمهور الإسرائيلي اليهودي فرصة لفهم المجتمع العربي بصورة أفضل”.
ورغم أن الأسواني يقف على أرضية قانونية صلبة جداً، إلا أنني أشك بالقضية الإنسانية والأخلاقية وراء معارضته العامة لترجمة عبرية، ليس لمجرد أن باستطاعة الكتّاب اختيار أمور عديدة، ليس قرائهم واحد منها.
تثير عواطفي، مثلي مثل الأسواني، مأساة الفلسطينيين والصعوبات التي يعانون منها تحت الاحتلال. إلا أنني غير مقتنع أن الانخراط في مقاطعة ثقافية شاملة ضد إسرائيل هو أمر فاعل أو عادل أو ملتزم.
بداية، ليس الفلسطينيون العرب أو المسلمين الوحيدين الذين يناضلون نير احتلال أجنبي. خذ العراق وأفغانستان مثلاً، حيث يعاني السكان مثل الفلسطينيين على أقل تقدير، بل وبشكل أسوأ من حيث عدد الضحايا. أعلم تمام العلم من قراءتي لأعمدة الأسواني أنه غاضب جداً من الدمار الذي تتسبب به هذه الغزوات الأنجلو أمريكية. لماذا لم تترجم هذه النقمة إذن إلى رفض مماثل للسماح بنشر ترجمة إنجليزية للرواية؟
هناك نوع معين من التناقض الظاهري، على شكل ردة فعل مفاجئة، في أوساط مفكرين مصريين يعتبرون تقدميين في الأحوال العادية، وخاصة هؤلاء من الجيل الأقدم، الذين يتصرفون كديناصورات عندما يعود الأمر إلى إسرائيل، حيث يعلقون في معارك الأمس ويتمسكون بأفكار الأمس العتيقة الكارثية، ولكنهم على استعداد وقدرة على رؤية المجالات الرمادية والفروقات الدقيقة في أمريكا، رغم سجلّها التاريخي المدمّر أكثر في أنحاء العالم.
إذا كان الأسواني مهتماً بالدفاع عن القضية الفلسطينية فإن السماح للإسرائيليين بالقراءة عن العرب كبشر عاديين، بدلاً من الشياطين التي تطارد كوابيسهم، والتوصل إلى فهم معمق للمجتمع العربي، سيوفّر مساعدة أكبر بكثير وفائدة أعم، من مقاطعة راوحت مكانها منذ عقود بدون أثر ملموس. شخصياً، أنا مع مقاطعة انتقائية لمتطرفين معروفين. ولكن رفض التعامل مع جميع الإسرائيليين هو نوع من العقاب الجماعي ننتقد نحن العرب إسرائيل لممارسته ضد الفلسطينيين.
تكمن إحدى المشاكل في أن المفكرين الذين يتعاملون مع إسرائيل في مصر يوصَمون عادة بأنهم خونة باعوا القضية. إذا كان الأسواني قلق من أن يبدو وكأنه يستفيد شخصياً من التعامل مع إسرائيل بينما يعاني الفلسطينيون، فهو يستطيع دائماً التبرع بدخل النسخة العبرية من كتابه لجمعية خيرية فلسطينية.
واقع الأمر هو أنني كنت آمل أن الأسواني كان سيستخدم ابتكاريته ووضعه وشهرته وشجاعته التي لا يشك بها أحد لأن يفتح طريقاً جديداً للنخبة الفكرية المصرية وإنشاء حوار مع إسرائيليين (إضافة إلى فلسطينيين) ذوي عقليات مماثلة من المصلحين وناشطي السلام، بدلاً من البقاء عالقاً في سلبية عدم التصرف. سوف يثري دعم صوت مصري بارز كهذا المعتدلين الإسرائيليين ويُفشِل سلطة المتطرفين لتجنيد الدعم المبني على الرعب والذم وتشويه السمعة.
لست ساذجاً لأعتقد بأن العلم أقوى من البندقية، ولكن من المؤكد أن بإمكان الكلمة أن تثلم السيف.
مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2010