لماذا لا يدان الفساد في مصر؟

بقلم أسامه دياب

قصص من أروقة العدالة المصرية تشرح لنا كيف يمنح القانون المصري الحصانة للفاسدين

الثلاثاء 10 يونيو 2014

في يوم من أيام شهر يناير 2009، ذهب وهبة عيسى أمين عام وزارة البترول إلى القصر الجمهوري ليسلم اللواء مصطفى شاهين، سكرتير الرئيس السابق، لفافة أرسلها له وزير البترول السابق سامح فهمي ليرسلها إلى الرئيس السابق محمد حسني مبارك، حسب تحقيقات النيابة مع مبارك في الجناية رقم 3642 لسنة 2011. بعدما تسلم اللواء مصطفى شاهين اللفافة طلب من فوزي شاكر مقار تسليمها لمبارك وتوجه معه في السيارة وسلم اللفافة حال وصوله للمقر، وفقا للتحقيقات مع مقار.

كان باللفافة سبيكة ذهب وزنها 5.5 كيلوجرام بحيث تكون قيمتها وفقا لأسعار الذهب الحالية حوالي مليون وستمائة ألف جنيه مصري. ظلت السبيكة في مسكن مبارك منذ يناير 2009 حتى التاسع من مايو 2011 أي بعد أربعة أشهر من اندلاع ثورة يناير 2011، و بعد القاء القبض على مبارك وتوجيه تهم له بالكسب غير المشروع، تبرع حينها بالسبيكة الذهب لمتحف هدايا رئيس الجمهورية في قصر عابدين بعد إحتفاظه بالسبيكة في منزله الخاص لمدة تزيد عن عامان، حسب أقواله في تحقيقات النيابة.

“هو ممكن يكون سلمنى اللفافة ولم أفتحها وتركتها ونسيتها،” جاء رد مبارك في تحقيقات النيابة عند مواجهته بالأمر.

وأضاف مبارك: “أنا لم أفتحها ونسيت أن أقوم بإيداعها بالمتحف كالمعتاد مع كل الهدايا التي تقدم إلي في الرئاسة … أنا أخذتها على البيت لغاية لما أتأكد هي إيه بالضبط عشان كدة لم أتركها بمقر الرئاسة واللي حصل إن أنا لم أشاهدها ونسيتها.”

قامت مدى مصر بزيارة متحف رئيس الجمهورية في قصر عابدين للاطلاع على السبيكة لكن لم تكن السبيكة معروضة.

هذه السبيكة هي أول انتاج لمنجم السكري للذهب في جنوب مصر وهو أحد أكبر مناجم الذهب في العالم والذي بدأ الإنتاج به عام 2009 ويتم استخراج الذهب منه من قبل وزارة البترول والثروة المعدنية وشركة سنتامين الأسترالية الذي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال الأسترالي من أصل مصري جوزيف الراغي.

الشخص الذي قام بإرسال اللفافة هو سامح فهمي وزير البترول الأسبق والمتهم في العديد من قضايا الفساد. تولى سامح حقيبة وزارة البترول في 10 أكتوبر 1999 وحتى إندلاع ثورة يناير لمدة إثنى عشر عاما وهو من أكثر الوزراء الذين استمروا في منصبهم في عهد مبارك بجانب وزير الثقافة فاروق حسني (24 عاما)  والمشير حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق (21 عاما) وصفوت الشريف في وزارة الإعلام (22 عاما) وحبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق (14 عاما).

شهدت فترة قيادة فهمي لقطاع البترول والطاقة المصري تطورات كثيرة وقضايا فساد عديدة وأنتهت فترته ببداية أزمة حادة في الطاقة شعر بها جميع المصريين في شكل انقطاعات يومية للتيار الكهربائي.

وجزء من سبب أزمة الكهرباء التي تعيشها مصر حاليا هو نقص الغاز الطبيعي والذي تنبئت الحكومة بأن الطلب عليه سيتخطى المتاح من الإنتاج المحلي، وقد بدأت مفاوضات تصدير الغاز السرية والمثيرة للجدل للأردن وأسبانيا وإسرائيل مع تولي سامح فهمي حقيبة الوزارة.

ووفقا لعبد الخالق عياد، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للبترول سابقا، تقدم رجل الأعمال الهارب المدان في قضايا فساد حسين سالم في أبريل 2000-أي بعد ستة أشهر من تولي سامح فهمي مسئولية وزارة البترول-بطلب لفهمي لشراء كميات من الغاز الطبيعي بغرض تصديره لتركيا واسرائيل مقابل مبلغ دولار ونصف لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مع تثبيت السعر خلال فترة التعاقد.

ووفقا لمحمد كامل العيسوي، وكيل أول وزارة البترول لشئون الغاز سابقا، فقد تم تكليفه بإعداد دراسة سعرية لتقدير قيمة تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي وتحديد الشروط التعاقدية مع شركة حسين سالم، وجاءت الدراسة بأن تكلفة إنتاج مليون وحدة حرارية بريطانية وقتها واحد ونصف دولار وتم عرض الدراسة على اللجنة العليا للغاز التي يرأسها سامح فهمي.

لكن من الواضح أن سامح فهمي لم يعجب بهذا العرض، وفي نفس اليوم الذي تقدمت فيه شركة غاز شرق المتوسط بطلب جديد تضمن تعديل السعر إلى 75 سنتا وهو نصف تكلفة الإنتاج وفقا لتقرير محمد كامل العيسوي، قام فهمي بتكليف حسن محمد عقل نائب رئيس الهيئة العامة للبترول للإنتاج سابقا وإسماعيل كرارة نائب رئيس الهيئة العامة للبترول للتخطيط بإعداد مذكرة أخرى يخصم من تكلفة إنتاج الغاز عن طريق استبعاد قيمة الرسوم والضرائب التي تدفعها الهيئة واستبعاد تكلفة استخراج الغاز من حقل غرب الدلتا العميق ومرتفع التكلفة مما أدى إلى خفض تكلفة الإنتاج إلى 68 سنتا مع العلم بأن الغاز الروسي-وهو من أرخص أنواع الغاز- كان ثمنه يتراوح بين 1.99 و2.51 دولار آنذاك، وفقا لأمر الإحالة في القضية المعروفة إعلاميا بتصدير الغاز إلى إسرائيل. المذكرة الثانية التي تشتمل على التسعير البخس هي التي لاقت نصيبها من الحظ وهي التي قدمها سامح فهمي إلى مجلس الوزراء في إجتماعه بتاريخ 18/9/2000 وتم الموافقة عليها. وتم التعاقد على نفس هذه الأسعار بدون زيادة بعد خمس سنوات في 13/6/2005 مع شركة غاز شرق المتوسط لصاحبها حسين سالم بغرض تصديره لإسرائيل.

وقال رمزي حلبي الخبير الاقتصادي بجامعة تل أبيب في لقاء مع قناة روسيا اليوم بتاريخ 26/2/2011 أي بعد نحو إسبوعين من الإطاحة بمبارك: “إسرائيل تستورد حوالي 4 مليارات دولار من الغاز المصري سنويا <…> على المدى القصير. هناك تأثير سلبي لعدم ضخ الغاز المصري إلى إسرائيل <…> هناك بديل من عدة دول في الغاز بشكل سائل لكن أيضا لازم نعرف إنه في العشر سنوات الأخيرة الاستيراد من مصر يوفر على الاقتصاد الإسرائيلي 10 مليار دولار. أولا الأسعار متدنية جدا اللي بتاخدها إسرائيل من مصر. ثانيا هي ترغم باقي الشركات المنافسة على خفض أسعارها.” (رابط)

وكان حسين سالم الذي يملك حصة 70% آنذاك من شركة غاز شرق المتوسط يعمل مع سامح فهمي في مصفاة ميدور قبل توليه لوزارة البترول في عام 1999. ولم يكن لشركة غاز شرق المتوسط دور يذكر في عملية بيع الغاز إلى إسرائيل إلا شراءه من الشركة القابضة للغازات والهيئة العامة للبترول ب 0.75-1.25 دولار وبيعه لإسرائيل ب 2.25 دولار، وفقا لأقوال رئيس المخابرات العامة ونائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان في تحقيقات النيابة في قضية تصدير الغاز لإسرائيل.

وفقا لعمر سليمان قام سالم بتأسيس شركة الغاز التي ربحت المليارات جراء تصدير الغاز بسعر بخس إلى إسرائيل بتكليف من رئيس الجمهورية الأسبق “لسابق خبرته في التعامل مع الإسرائيليين في مشروع مصفا ميدور”.

ولكن قد يكون هناك سبب آخر وراء إختيار مبارك لسالم للاستحواذ هذه الصفقة المربحة لشركته ولكن المكلفة لخزينة الدولة، وهي الصداقة التي تربطه بمبارك والتي ارتبطت بتقديم العطايا. تجلت هذه الصداقة في بيع حسين سالم خمس فيلات في شرم الشيخ لمبارك ونجليه بسعر شديد الرمزية في نفس العام الذي بدأت فيه مفاوضات بيع الغاز لإسرائيل، فالفيللا التي قضى مبارك بها أغلب وقته في سنوات حكمه الأخيرة وشهور قليلة ما بعد الثورة حتى لحظة القبض عليه تم “شراؤها” من شركة نعمة جولف بسعر أقل كثيرا من قيمتها السوقية. تقع الفيلا الرئيسية المملوكة لحسني مبارك على مساحة تزيد عن 15 ألف متر مربع (حوالي 4 فدادين) في موقع متميز في محافظة جنوب سيناء في مدينة شرم الشيخ السياحية بجوار الفندق الشهير المملوك لحسين سالم هناك.

وفقا لتقرير الخبير الهندسي الذي قامت به إدارة الكسب غير المشروع لتقدير قيمة تلك الفيللات والذي تقدمت به للمكتب الفني للنائب العام، فالخمس عقود مشهرة رقم  293 و 294  و295 و296 و297 جميهما بتاريخ 14/10/2000 نظير 500 ألف جنيه و400 ألف جنيه و400 ألف جنيه و300 ألف جنيه و300 ألف جنيه “دفعت نقدا بالكامل ليد البائع من المشتري”. وإذا نظرنا للفيلا الخاصة بالرئيس السابق نجد أن متوسط سعر المتر كان 31 جنيه مصري فقط، ومتوسط سعر المتر لإجمالي مساحة الخمس فيللات البالغة 22435 متر مربع كان 84 جنيه مصري.

وفقا لذات التقرير الذي يقارن سعر هذه الوحدات بمثيلاتها التي بيعت بعد فيللات عائلة مبارك بشهرين، قامت شركة نعمة جولف للاستثمار السياحي ببيع 23 فيللا على مساحة 21،000 متر (أي أقل من مساحة فيللات عائلة مبارك) مربع بعقد مشهر رقم 362 جنوب سيناء بتاريخ 17/12/2000 بمبلغ 35،650،000  أي بمتوسط سعر للمتر المربع 1697 جنيه مصري أي حوالي 54 ضعف الثمن الذي حصل عليه مبارك.

وجاء بنص التقرير الخبير الهندسي: بمراعاة تاريخ إنشاء الفيللات محل الفحص ونوعية التشطيبات بها وموقعها فـإننا نقدر سعر متر للفيلات أرقام 1 و2 و3 3000 جنيه/م2 وللفيلا رقم 4 بمبلغ 2000/م2 والفيلا رقم 5 بواقع مبلغ 1200 جنيه/م2 وسعر المباني شامل سعر تكاليف انشاءات حمامات السباحة الخاصة بها.” وقدر التقرير مجموع قيمة المباني الحاصل عليها عائلة مبارك من حسين سالم “سبعة وثلاثون مليونا وستمائة وتسعين وثمانون ألفا وخمسمائة جنيه وهذا بخلاف أعمال اللاندسكيب والتشجير والأعمال الكهربائية والميكانيكية لحمامات السباحة وأعمال الانشاءات المستجدة التي لم تتم حتى الآن. وعليه سعر الفيلات الثابت بالعقود لا يتناسب مع القيم السوقية وقت الشراء.”

ووجه المحقق موجها سؤاله لمبارك: “ما قولك فيما ورد بمحضر تحريات مباحث الأموال العامة من أن ثمن شراء الفيلات الخاصة بكم من شركة حسين سالم لا يتناسب مع ثمن المثل فى وقت الشراء، وأنه يقل كثيرًا عن الثمن المناسب، وأنه ثبت من الاطلاع على عقود شراء شركة المهندسون المصريون للاستثمار العقارى شراؤها لعدد من الفيلات بمساحة 750 مترًا للواحدة فى أماكن أقل تميزًا بمبلغ يتراوح بين مليون جنيه و300 ألف جنيه إلى مليون وتسعمائة ألف جنيه؟”

مبارك: معرفش

لماذا لم يدان المتهمين؟ انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم أو بالتصالح

 كانت قد وجهت المحكمة إنهام لمبارك ونجليه  تهم استعمال نفوذ وقبول عطية ووجهت لسالم تهمة تقديم عطية في القضية المعروفة إعلاميا “بمحاكمة القرن”. المحكمة في حكمها الأولي الصادر في يونيو 2012 لم تنكر وقوع الجرم ولكنها قضت بانقضاء الدعوى الجنائية لمرور عشرة أعوام على وقوع الجريمة وهي فترة التقادم في الجنايات حسب المادة 15 من قانون العقوبات التي تنص على: “تنقضى الدعوى الجنائية فى مواد الجنايات  لمضى عشر سنين من بوم وقوع الجريمة وفى مواد الجنح بمضى ثلاث سنين  وفى مواد المخالفات بمضى سنة مالم ينص القانون على خلاف ذلك.”

وتصف منظمة الشفافية الدولية اسقاط تهم الفساد بالتقادم بإنه “عد تنازلي نحو الإفلات من العقاب” وتقترح عدة إجراءات أهمها المرونة في تحديد مدة التقادم في الوظائف التي تمنح أي نوع من أنواع الحصانة وقت ارتكاب الجريمة، ويكون التساؤل المشروع هنا، هل كان هناك إمكانية لكشف هذه الواقعة وإجراء التحقيقات قبل إنتهاء مدة التقادم والرئيس مبارك مازال في الحكم؟

ومن لم يفلت من العقاب بقانون الإجراءات الجنائية يستطيع الإفلات بقانون ضمانات وحوافز الاستثمار الذي يجيز التصالح مع المستثمر المعتدي على المال العام في مادته السابعة مكرر التي تنص على: “يجوز التصالح مع المستثمر في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات التي ترتكب منه بصفته أو بشخصه أو التي اشترك في ارتكابها … ويترتب على تمام التصالح وفقا لما سبق انقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمستثمر”. ورحبت فعلا حكومة حازم الببلاوي بعرض التصالح الذي قدمه أحد الأركان الأخرى في القضية وهو حسين سالم، الذي تم الحكم عليه غيابيا بالسجن 15 سنة في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل بسبب هروبه إلى أسبانيا خلال الثورة مستغلا جنسيته الأسبانية (رابط)، أما سامح فهمي فما تزال محاكمته جارية بعدما قضت محكمة النقض بإعادة محاكمته بعد إدانته في قضية تصدير الغاز لإسرائيل.

رئيس الهيئة والوزير والمستثمر: نفس الشخص

في يوم الأربعاء الموافق 23/8/2006 قام أحمد المغربي رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وهو نفسه وزير الإسكان وشريك أساسي في شركة بالم هيلز بتحرير عقد بيع إبتدائي مع إبن خالته وشريكه في شركة بالم هيلز للتعمير ياسين منصور بحيث يبيع المغربي ممثلا عن هيئة المجتمعات العمرانية أرض مساحتها ما يقرب من مليون متر مربع في القاهرة الجديدة بثمن قدره 241 مليون جنيه مصري، أي بنحو 250 جنيه للمتر المربع لإبن خالته وشريكه رجل الأعمال الهارب ياسين منصور. وأصبحت قطعة الأرض تلك فيما بعد منتجع بالم هيلز القطامية الفاخر. ووفقا لتقرير أصدره المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن هذه القضية، فإن ثمن المتر وفقا لهيئة مفوضي الدولة وصل إلى 4000 جنيه مصري في هذه المنطقة في ذلك الوقت مما تسبب في إهدار ثلاثة مليارات و622 مليون و500 ألف جنيه مصري.

وجاء تعليق محكمة القضاء الإداري على تخصيص هذه الأرض المملوكة للدولة بالأمر المباشر في حكمها ببطلان العقد أن “التصرف في الأرض محل النزاع بالأمر المباشر يكون قد جاء في غير الأحوال المرخص بها قانونا، ومتجاوزا أحكام القانون، وبعيدا عن سلطة الجهة الإدارية المتعاقدة المقررة قانونا مما لا مناص معه من القضاء ببطلان العقد محل النزاع، سيما وأن الأوراق أظهرت قيام المدعي عليها بإجراء مزادات لبيع أراضي تملكها في ذات المنطقة التي تقع بها الأرض محل النزاع وفي مناطق أخرى وحصلت من خلالها على أعلى الأسعار المطروحة في المزاد، وأن تصالحها بالأمر المباشر في الأرض محل النزاع حرم الدولة من أموال طائلة من سعر الأرض كان ممكن الإفادة بها في تحقيق التوازن الإجتماعي وخلق فرص عمل للشباب.”

ووفقا لوثيقة صادرة من جهاز الكسب غير المشروع حصلت عليها <<مدى مصر>> ، كان علاء مبارك شريك في شركة بالم هيلز للتعمير بنحة 33 مليون سهم بقيمة إسمية حوالي 66 مليون جنيه ونسبة 3.12% من رأسمالها وإمتلك علاء مبارك أيضا حصة تقدر ب3,12% من شركة بالم هيلز للشرق الأوسط والاستثمار العقاري، حسب الوثيقة.

وقت وقوع هذه المخالفات وهذا التعارض الصارخ في المصالح بين واجبات المغربي العامة كمسئول في الدولة ومصلحته الخاصة كشريك في “بالم هيلز”، لم يكن قد صدر بعد قانون ينظم مسألة حظر تعارض مصالح المسئولين في الدولة وهو الذي كان سيعرض حال وجوده حينها المغربي للحبس والغرامة ولكنه كعادة الأشياء جاء متأخرا ولم يترك باب قانوني إلا الطعن على العقد إداريا أمام القضاء الإداري.

وينص قانون حظر تعارض مصالح المسئولين في الدولة الذي مررته حكومة الببلاوي الانتقالية على العقاب “بالحبس أو الغرامة التي لا تقل عن العائد الذي تحقق ولا تزيد على ضعفه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحكام هذا القانون.” ومن أحكام هذا القانون إنه “يكون التعارض مطلقا إذا كانت ملكية الأسهم والحصص في شركات خاضعة لرقابة المسئول الحكومي أو تابعة له بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي هذه الحالة يتعين عليه التصرف في ملكيته خلال مدة الشهرين المشار إليهما أو ترك المنصب أو الوظيفة العامة.

وتعرف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)  تعارض مصالح المسئولين العموميين على إنه تعارض بين الواجبات العامة والمصالح الخاصة لدى الموظفين العموميين، حيث يكون للموظف العام مصالح خاصة قد تؤثر على أداءه لواجباته ومسئوليته العامة.

وتؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد-المصدقة عليها مصر-على ذات المبادئ وتلزم الدول الموقعة والمصدقة على الاتفاقية باتخاذ ما يلزم من تدابير مختلفة لتعزيز وترسيخ وتفعيل هذه المبادئ. وتوصي الاتفاقية في مادتها السابعة على ضرورة سعي كل دولة طرف “إلى اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح.”

وتوصي ذات الاتفاقية في مادتها الثامنة على سعي كل دولة طرف إلى “وضع تدابير و ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء تتضمن ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلي تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين.”

وتلزم أيضا الاتفاقية في مادتها الثانية عشر الدول المصدقة على ” ترويج استخدام الممارسات التجارية الحسنة بين المنشآت التجارية وفي العلاقات التعاقدية بين تلك المنشآت والدولة”

أروقة العدالة في مصر بها قصاصات لحكاوي فساد قد تملأ غرفا بل ومباني كاملة، وهذه ليست محاولة لحصر قضايا الفسادلإستحالة الفعل بسبب كثرتها بل لإلقاء الضوء على بعض أسباب صعوبة إدانة الفساد في مصر رغم تفشيه عن طريق النظر لنماذج لبعض حالات الفساد الصريح التي لم تتحقق فيها العدالة بسبب سرية العقود واسقاط تهم الفساد بالتقادم وعدم وجود اتفاقيات تبادل متهمين، وغياب آليات لمنع تعارض المصالح، وحتى في حالة تحقق العدالة يمنح القانون فرصة شراء البراءة بمبالغ زهيدة فيما يعرف بالتصالح وغيرها من الثغرات القانونية التي دائما ما تأتي في لصالح المتهم بالفساد. حتى يومنا هذا لم يتم إدانة شخص واحد من رموز مبارك في قضية فساد بحكم حضوري  وتراوحت الأحكام الصادرة بين البراءة وإعادة المحاكمة بعد الإدانة بحكم اولي، أو إنهاء القضية بالتصالح.

____

A shorter version of this article first appeared on Mada Masr on 30 May 2014. 

Author

  • Osama Diab

    Osama Diab is an Egyptian-British journalist and blogger who lives between his two favourite metropolises: Cairo and London. He writes about the religious, social, political and human right issues of and the

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

For more insights

Sign up to receive the latest from The Chronikler

We don't spam!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

error

Enjoyed your visit? Please spread the word